كتاب


كتاب نظام التفاهة (La médiocratie)


كتاب (الميديوقراطية) للباحث والفيلسوف السياسي الكندي "آلان دونو" يمثل نصاً ملتحماً مع البناء التافه لعالمنا المعاصر
كاشفاً أبعاده المؤثرة. وبلغت طرافته حدَّ إبراز التفاهة كظاهرة جانبية يصعب رؤيتها بوضوح، لكنها تقدم إمكانات متعددة لقراءة مختلفة حول قضايا السياسة والتاريخ.
يري دونو أن التفاهة صارت تقنية من تقنيات الأنظمة السياسية، وهي لا تأتي دون أقطاب يحملون منظومات وأفكاراً وخططاً قابلة للتطبيق. الفارق أنَّه إذا كان البلهاء تافهين حتى النخاع، فالسلطة تعطيهم نظاماً خاصاً لإضفاء الجدية والمشروعية على أفعالهم.
أي إنَّ السلطة صارت بمثابة مصفاة لا تهتم باستبعاد البلهاء، بل تعطيهم قدرات صارمة وفاعلة على المستوى الجمعي. فالسلطة لا تخدع الناس فحسب إنما توجههم - طوال الوقت- نحو المزيد من الخداع مادامت هي التي تغلف وجوده." إنَّها مثل القوقعة اللامعة التي تحوي داخلها يرقات وطحالب التفاهة التي تتناسل في جوف السياسات المهيمنة."
كل سياسة من هذا الصنف هي الحاضنة التي توفر شروطاً لنمو الطحالب التافهة، وفقا لدونو.
وللدقة فإن السلطة قد تفرز ما يخادع جمهورها العريض إلاَّ أن التافهين يتعاملون معها عضوياً وسياسياً بشكل متواطئ. وهنا يأتي مفهوم الكتلة البلهاء من التفاهة المهيمنة والآخذة في الانتشار.

الحاكم التافه، وفقا لدونو، يتعامل مع السياسة بمنطق الكتلة لدرجة أنَّ نظامه السياسي يسير وفقاً لفيزياء خاصةٍ.
الحاكم التافه يحرص على إشاعة روح البلاهة عن طريق شبكة كبيرة من الموالين والأنصار والحلفاء وأصحاب المصالح. شريطة أن يكونوا على ذات المستوى من التفاهة، وأن يكون التسابق لا لصالح الدولة إنما لترسيخ السلطة وسطوتها بشكل أفقي عام.
ويري الفيلسوف الكندي أنه بواسطة العلاقات التي تنشأ بين التافهين تتكون شبكة التفاهة التي تلتهم النظام السياسي للحفاظ علي مصالحها، ولا تفتأ تواصل وجودها كلما أتيحت لها الفرصة. إنَّ التفاهة تتصلب في مواقفها بجانب ممثليها لو اعترضتها أدنى مشكلةً. وتصبح قوية مستغلة موارد الدين والأفكار السائدة في تحريك الدفة نحو ما تريد. والعلاقات بالمعنى السابق لا تتحدد في الهواء لكنها تستند إلى تخلف المجتمعات، وإلى بنية موازية من العلاقات العامة. فالتصورات والأنماط السائد هي المخزون الاستراتيجي للتفاهة.
" التافهون ( الميديوقراط ) يتكالبون على السلطة كما يتهافت الذباب على الجيف. ويعلمون كونهم في عداد المهملين دون هذه المساحة أو تلك. لذلك هم عادةً كائنات لزجة، سمجة، متمحكة تتعلق بأية أهداب للحكم ولو كانت بسيطة. ويمارسون إفراطاً في العنف كأنه شيء طبيعي كجزءٍ من وجودهم السياسي، بل لا يستطيعون انفصالاً عن حالات التشنج السلطوي باسم وبدون اسم

ليست هناك تعليقات